أَتَعْرِفـُني؟
خرج الحجاج يوماً إلى ظاهرالكوفة منفردا، فرأى رجلاً أعرابياً فقال له: ما تقول في أميركم؟ قال: الحجاج؟ قال: نعم. قال الأعرابي: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين! فقال الحجاج: أتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا الحجاج. فقال الأعرابي: وأنت،أتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا مولى بني عامر، أُجَنُّ في كل شهر ثلاثة أيام،وهذا اليوم هو أَشَدُّها! فضحك الحجاج من قوله وتركه.
من كتاب "سرح العيون" لابن نُباتة.
***************************************
الكلـب والثعلـب
كان سفيان الثوري يقول: ما رأيتُ الزهد في شيء أقلَّ منه في الرئاسة، ترى الرجلَ يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإن نوزع الرئاسة تمسّك بها وعادى الناس. حدّث عطاء بن مسلم قال: لما تولّى المهدي الخلافة بعث إلى سفيان الثوري. فلما دخل عليه، خلع المهدي خاتمه فرمى به إليه وقال: يا أبا عبد الله! هذا خاتمي، فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسُّنة. فردّسفيان الخاتم وقال: تأذن في الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: لاتبعث إليّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك. فغضب المهديّ غضبا شديدا وصرفه. فلماخرج سفيان حفَّ به أصحابه فقالوا: ما منعك وقد أمرك أن تعمل في الأمة بالكتاب والسُّنة؟ قال: إني لا أخاف إهانة الأمراء لي، وإنما أخاف إكرامهم لي حتى لاأرى سيئاتهم سيئات. ولم أَرَ للعلماء والسلاطين مثلاً إلا مثلاً ضُرِب على لسان الثعلب، قال: عرفتُ نيفا وسبعين حيلة للتخلص من الكلب، ليس منها حيلة أفضل من أن لاأرى الكلب ولا يراني!
من كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي.
***********************
أُجـرة الحمـار
حكم القاضي بمصر بإفلاس رجلٍ كَثُرت ديونُه، فأركبه حماراً وطوَّف به في البلد ليحترز الناس من معاملته بعد ذلك. فلما أُنزِل عن الحمار قال له صاحبُ الحمار: أين أجرةُ الحمار؟ فقال له: يا أبله، فَفِيم كُنّا طول النهار؟!
من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي
*****************************************
حكاية المهدي مع ا لأعرابي
خرج الخليفة المهدي للصيد،فَبَعُدَ به فرسه عن أصحابه حتى وصل إلى خباء أعرابي وقد ناله جوع وعطش. فقال للأعرابي: هل من قِرًى؟ فأخرج له قرص شعير فأكله، ثم أخرج له فَضلةً من لبن فسقاه منها، ثم أتاه بنبيذ فسقاه. فلما شرب المهدي قال: أتدري من أنا؟ قال: لا. قال: أنا من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال الأعرابي: بارك الله لك في موضعك. ثم سقاه من النبيذ مرة أخرى. فلما شرب قال: يا أعرابي! أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال: لا. أنا من قواد أميرالمؤمنين. قال الأعرابي: رَحُبَتْ بلادُك وطاب مرادُك. ثم سقاه الثالثة،فلما فرغ قال: يا أعرابي! أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من قواد أميرالمؤمنين. قال: لا. ولكنني أمير المؤمنين. فأخذ الأعرابي منه النبيذ وأراقه على الأرض وقال: إليك عني! فوالله لو شربت الرابعة لادّعيت أنك رسول الله.
من كتاب "المستطرف من كل فن مستظرف" للأبشيهي
******************************
فما قُعُودُكُم هنـا؟
وقف شحاذ على باب دارٍ وقال: تصدّقوا عليّ فإني جائع. قالوا: إلى الآن لم نخبز. قال: فكَفٌّ من الشعير. قالوا: ليس عندنا شعير. قال: فشربة ماء فإني عطشان. قالوا: ما أتانا السقّاء. قال: فَنَعْلٌ قديمٌ ألبسه. قالوا: ما في البيت نعل قديم. قال: فما قعودُكم هنا؟ قوموا واشحتوا معي!
من كتاب "نهاية الأرب" للنُّويري.
*******************************
أَحْسـَنْتِ!
دخل رجل على ابن شبرمة القاضي ليشهد في قضية. فقال له ابن شبرمة: لا أقبل شهادتك. قال: ولِمَ؟ قال: بلغني أن جاريةً غَنّت في مجلسٍ كنتَ فيه، فقلتَ لها: أحسنتِ! قال الرجل: قلتُ لها ذلك حين ابتدأت أو حين سكتتْ؟ قال: حين سكتت. قال: إنما استحسنتُ سكوتَها أيها القاضي. فَقبِلَ شهادته.
من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي.
********************************
شهـادة الحمـير
كان بمكة رجل يجمع بين الرجال والنساء، ويحمل لهم الشراب. فشُكِيَ إلى عامل مكة، فنفاه إلى عرفات، فبنى بها منزلاً، وأرسل إلى إخوانه فقال: ما يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه؟ قالوا: وأين بك وأنت في عرفات؟ فقال: حمار بدرهم، وقد صِرتم على الأمن والنـُّزهة. ففعلوا، فكانوا يركبون إليه حتى فسدت أحداث مكة. فعادوا بشكايته إلى والي مكة، فأُرسل إليه وأُتيَ به. فقال الرجل: يكذبون عليّ، أصلح اللّه الأمير. فقالوا: دليلنا على ما نقول أن تأمر بحمير مكة فتُجمع وتُرسَل بها أمناءُ إلى عرفات، ثم يرسلونها، فإن لم تقصد لمنزله من بين المنازل كعادتها إذا ركبها السفهاء فنحن غير مبطلين. فقال الوالي: إن في هذا لدليلاً وشاهدًا عدلاً. فأمر بحمير من حمير الكِراء فجُمعت ثم أُرسلت، فصارت إلى منزله كما هي من غير دليل. فأعلمه بذلك أمناؤه، فقال: ما بعد هذا شيء. جـَرِّدوه! فلما نظر الرجل إلى السـّياط قال: لا بدّ أصلحك اللّه من ضربي؟ قال: نعم. قال: واللّه ما في ذلك شيء هو أشدّ عليَّ من أن يشمت بنا أهلُ العراق ويضحكوا منا ويقولوا: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير! فضحك الوالي وخلّى سبيله.
من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه.
*************************************